تلاكلو نظام أمغار بين التقاليد والحداثة

تلاكلو: نظام أمغار بين التقاليد والحداثة

تنصيب شيخ القبيلة بتلاكلو

ذ . احمد وقادير / ذ. عيسى وبابا

 

يعتبر نظام"أمغار" (شيخ القبيلة) بدوار تلاكلو منظومة قانونية وتشريعية هدفها تدبير شؤون القبيلة. كما يعد هذا النظام من أقدم الأنظمة التشريعية عبر التاريخ، فمن خلاله يتم تسيير شؤون القرى في الحضارة الأمازيغية منذ قرون خلت. ويقوم على تعيين شخص من بين ساكنة القرية لتسيير شؤون القبيلة. هذا النظام يأتي مع ذكرى المولد النبوي الشريف في قبيلة تلاكلو، وهي إحدى القبائل الأمازيغية الواقعة في جنوب شرق المغرب في جهة درعة تافيلالت، تحديداً بين قبيلتي دوار آيت مناد وقبيلة دوار تغوليت ضواحي زاكورة. ويتولى الأمر من السنة التشريعية المحلية الممتدة من اليوم الموافق للمولد النبوي إلى نفس اليوم من السنة الموالية. ومن هنا يتبين أن هذا النظام ليس طقساً ليوم واحد ينتهي أمره بيوم تنصيب أمغار، بل يمتد على طول السنة التشريعية يوماً بيوم.


كانت طريقة تنصيب أمغار بأن يجتمع رجال القبيلة صباح يوم المولد النبوي الشريف في منزل الشيخ الذي انتهت ولايته لاختيار أحد الأشخاص من القبيلة الذي تتوفر فيه شروط خاصة، غالباً ما يكون أكبر سناً ومعروفاً بنزاهته وبرزانته وبحكمته وخبرته، ومشهوداً له بالصدق والأمانة، ليتولى منصب أمغار ليبتّ في المنازعات والخصومات بين الأفراد والعائلات، ويتخذ القرارات ويتولى أيضاً تمثيل القبيلة عند المفاوضات مع القبائل المجاورة الأخرى.

وتطورت مراسيم تنصيب شيخ القبيلة التي كانت تتم في وسط الدوار القديم (أماس نيغرم أقديم) لتصبح الآن تُنظَّم بالقرب من مسجد النور (المصلى)، وذلك بسبب عدة عوامل، من بينها انتقال أهل القبيلة من الدوار القديم إلى الدوار الجديد. يتم هذا الحدث بتجمع رجال القبيلة على شكل حلقة دائرية بعد صلاة العصر، حيث يجلس أفراد "تقسيمت" التي ستتولى الخلافة، ويطوف حولهم حشد من رجال القبيلة يتقدمهم إمام القبيلة مرددين الأهازيج والتهليلات. وعندما يحين الوقت، يقوم شيخ القبيلة الذي انتهت ولايته بإزالة وشاح المهمة أو نبتة البصا من رأسه ليضعها على رأس الموالي (أمغار الجديد). بعد ذلك يتوجه الجميع إلى منزل شيخ القبيلة الجديد لتناول وجبة التمور واللبن.


في اليوم الموالي لتنصيب أمغار، وتحديداً في الساعة الأولى من الصباح، يجتمع شيوخ القبيلة فرداً من كل بيت فرضاً عينياً في ساحة المصلى من أجل التداول في حسابات السنة التشريعية، تفصيلاً وتقييماً وتقويماً. حيث يتم تسليم السلط على مرأى ومسمع من الحاضرين بين الأمغار المنتهية ولايته والأمغار الجديد.


وتشتمل المسائل المسلمة على عدة ملفات، أبرزها حساب الصندوق والمالية العامة، سواء كانت بالفائض أو العجز. حيث يقدم كناشاً يحدد قيمة الميزانية، كما يتسلم مبلغ فائض الميزانية للسنة المنصرمة. كذلك نجد من بين الملفات: مفاتيح المنازل والمساكن التي تتولى القبيلة تسييرها، من قبيل دار القبيلة والمسجد وبيت الخزين... كما يتم تسليم دفتر القوانين التي سطرتها القبيلة، وهي بمثابة دستور يحكم شؤونها ويحتكم إليه الجميع عند الاقتضاء.



يتولى أمغار منصبه تطوعاً دون أجر أو تعويضات، ويمثل أمغار السلطة العليا للقبيلة. ويكون مهيب الجانب يحتكم إليه السكان للفصل بينهم في نزاعاتهم وخصوماتهم العامة والخاصة وقضاياهم المختلفة. أمغار ليس طقساً عابراً، بل تاريخ يتجدد أمام أعيننا كل عام، لا يمكن تجاوز موعده ولا مخالفة مخرجات اجتماع العامة التي تنعقد يوماً بعد التنصيب. ويتولى كذلك إدارة مستجدات وقضايا القبيلة لاتخاذ القرارات المناسبة. وفوق كل هذا ينبغي له أن يكون دبلوماسياً قادراً على التفاوض بنجاح مع أمغارن القبائل المجاورة عند المنازعات بين القبائل.


مع انطلاق الجلسة في اليوم الموالي، يبدأ الحاضرون بإثارة كل القضايا والمسائل التي تستوجب تدخلاً تشريعياً وتقنيناً. فتتبادل الآراء بينهم، بين مؤيد لفكرة تقنين النوازل ووضع الحدود لها (عقوبات)، وآخرين يعتبرونها لا تستوجب عقوبة كبيرة أو يعتبرونها حرية، كما قد يصفها البعض بأمر يجب ضبطه. وهكذا حتى تتم المصادقة النهائية على القانون الجديد. إلى جانب القوانين والتشريعات الجديدة التي تأتي تبعاً للعولمة والتطور الذي يعرفه المجتمع، نجد كذلك من بين ما يناقشه الجمع العام مسألة تعديل القوانين الموجودة بالإلغاء أو التغيير أو التكييف.


وفي الختام، يتبين من خلال أشغال الجمع العام لقبيلة تلاكلو أن هذا الحدث يُعد محطة تشريعية لها كامل الصلاحيات في إصدار التشريعات والقوانين التي تضبط شؤون القرية، مما لا شك فيه أنه يساهم في تماسك المجتمع وإعلاء صوت الحق والقانون.


وتجدر الإشارة إلى أن نظام شيخ القبيلة (أمغار) كان معمولاً به لدى جل القبائل الأمازيغية بالمغرب في سوس والأطلس المتوسط والريف أيضاً. ومن هنا تتجلى عبقرية المجتمع الأمازيغي قديماً في تنظيم نفسه ذاتياً دون الانزلاق للفوضى، حتى عند انعدام سلطة مركزية أو خارجية. ولكن للأسف، هذا النظام العريق يكاد يختفي اليوم بعد الهجرة المكثفة نحو المدن وبعد شمول سلطة الدولة لجميع مناطق المغرب النائية.


"تلاكلو: نظام أمغار، بين التقاليد والحداثة"

تلاكلو الاخبارية ،

إرسال تعليق

[facebook][blogger]

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.