تعتبر الأعراس الجماعية من التقاليد والعادات العريقة بقلعة تلاكلو، حيث تعد جزءا مهما من الهوية الثقافية والاجتماعية للساكنة في مناسبة تتكرر كل سنة بعد عيد الأضحى، ولمدة عشرة أيام تستمر حفلات الزواج الجماعي هذا في مشهد مفعم بالبهجة والسرور ومليء بالرقصات والأكلات المحلية وعادات مميزة لا تترك أدنى التفاصيل لتمر. هذه المناسبة في جو من الإخاء وهي مناسبة كذلك للقاء والتواصل مع العائلات القادمة من المدن وخارج أرض الوطن. تبدأ التحضيرات عندما يعلن أحد الآباء عن استعداد إبنه للزواج بعد عيد الفطر، ليتم دعوة الراغبين في الزواج إلى دار القبيلة وهي مركز الحكم المحلي بتلاكلو للشروع في التحضيرات، تجمع العائلات لتحديد تفاصيل الزواج الجماعي، ويتم الاتفاق على الموعد الذي يكون عادة بين عشرة إلى خمسة عشر يوما بعد عيد الأضحى
تتميز هذه الأعراس بعدة خصائص على المستوى التنظيمي والثقافي والإجتماعي، بحيث تقف القبيلة على تنظيمها وفق عدة قوانين تنظيمية وأعراف محلية تهدف إلى المساواة بين مختلف الأزواج في خدمة الضيوف واستضافتهم والتنسيق بين ذوويهم لتمر الأعراس في أحسن الظروف، وبعد ثلاثة أيام من عيد الأضحى، يتم حصر عدد الأزواج المقبلين على الزواج، فيتم تقسيم السكان بينهم بالتساوي في مشهد يكرس المساواة والأخوة، فيأخذ كل زوج نصيبه من المدعويين ويتكلف أقرباءه بخدمتهم طوال مدة الحفل، وأحيانا يتم تدوير الضيوف بين مختلف الأزواج حيث يستضيف العريس نصيبه من الضيوف ليوم كامل وفي الغد يستضيف ضيوفا آخرين كانوا مع عرييس آخر إلى أن ينتهوا عند آخر عريس ليكون النصيب الواحد من الضيوف قد مر على مجمل عرسان الموسم، وهي ظاهرة أجزم أنها توجد فقط في قلعة تلاكلو.
يبدأ اليوم الأول من الأعراس بعادة تدعى "إفيف" وهي قيام مجموعة من النسوة من عائلات الأزواج بغربلة الدقيق في منزل العريس صباحا وفي المساء تبتدأ أولى العادات الرسمية للزواج المساة " تيتي الحنا" او ما يمكن ترجمته بضرب الحناء وتكون في منزل الزوج بعد العصر وتقوم خلالها أم العريس بوضع قليل من الحناء على عروسة ابنها ويلتف حولها نساء وفتيات من كلا عائلتي العريس والعروس يرددون ألحانا محلية يتمنين فيها للعريسين حياة سعيدة ويدعون له بالرفاه والبنين وتقف العازبات خلف العروس متمنيات لنفوسهن اجتياز المشهد في العام المقبل. تتكرر هذه العملية في كل منازل العرسان وتستمر تقريبا إلى غاية صلاة المغرب وتتخللها أصوات المفرقعات النارية التي تعتبر بمثابة إعلان عن الزواج ويطلقها عادة "أسناي" وهو وزير العريس طوال مدة العرس وقد يكون برفقته بعض من أصدقاء العريس المقربين. وفي اليوم الثاني تبدأ عادة "أسراس" وهي الحطان بالمصطلح الدارج، لكن هناك اختلاف كبير بين مختلف المناطق في هذه العملية/ العادة، حيث بخلاف المناطق المغربية التي تعتمد على النقود وجمعها للعريس، فإن سكان تلاكلو في تميزهم عن الجميع يقومون بجمع القمح والشعير وربما بعض المنتجات الفلاحية المتوفرة حسب الموسم الفلاحي وجودته، ليأتي المساء بعد صلاة العصر ، فيكون الجميع في انتظار أهم عادة في المناسبة وهي بالمحلية "

وفي المساء يستبق الرجال إلى منازل العروس لتناول وجبة تعد خصيصا للمناسبة ولا تتكرر، وهي عادة " أرتاب" ، يشرب فيها الشاي ويتم تقديم صحن كسكس يكون مليئا بالبيض وبعض التوابل منها ما هو محلي يترك للمناسبة وأهمها "الشكوة" التي تتوسطه ، وهذه العادة هي تسبق ما يسمى "تنايت" أو الركوب بالمعنى الدارج، هي أهم ما في العرس التقليدي عند أهل الدوار عامة وتشير إلى ركوب العروس في وسيلة نقل كانت هي الدواب قديما فتركت مكانها للسيارات، يتم نقل الزوجات على متن تلك الوسائل ويتم تقديمهن لأزواجهن في إشارة إلى خروج العروس من بيت أبيها إلى بيت زوجها وبداية حياة جديدة. هذه العادة التي تعلن عن قرب انتهاء الحفلات يجتمع فيها ما تغرق في غيرها، حيث الجميع يخرج ذلك اليوم للاحتفال والإستمتاع ومشاهدة مختلف المفرقعات التي تزين سماء المصلى مكان انطلاق تنايت،
تانايت
يتجمع شباب القرية كلهم ويقفون أمام السيارات التي تقل الزوجات، يحاولون منعها من التقدم وهم يرددون ألحانا توحي بتحدي العريس الذي ينتظر في مكان ما عروسته، يطالبونه بكبش أو ما شابه للظفر بعروسه، لكنه تحد يعبر عن فرحتهم وتهنئتهم للعرسان، ويستمر هذا التحدي حتى تصل العروس إلى حيث يجب أن تصل. هذه الأيام وأياما أخرى بعدها تهدئ القبيلة نسبيا من عناء الرحلة ويمنحون بعض الوقت للأكل والشرب في مختلف منازل الأزواج والزوجات، حيث ما لذ وطاب من الأكلات المحلية في كل منزل وكأنها زوايا مفتوحة للأكل والشرب والرقص على إيقاعات أحيدوس ، إلى أن يأتي آخر يوم من الأعراس حيث "إزيزل" أو المشي على الأقدام بالنسبة للعرسان، يقومون من خلاله بجولة على عائلاتهم وأقربائهم للحصول على التهنئة والبكة من الجدات خصوصا وتنتهي عند سفح المصلى ويقوم فيه أب العروس بالإعتراف بتزويج ابنته للعريس قائلا : لقد وهبتك إياها وزوجتها لك ، وبهذا الإعتراف عن طواعية يكون العريس قد حظي بزوجته وخطى أولى الخطوات نحو تكوين أسرته.
إن لهذه الأعراس التي تقام بطريقة جماعية عدة مزايا وفوائد تشمل المستوى الإجتماعي والثقافي والإقتصادي، فعلى المستوى الثقافي والإجتماعي تعتبر الأعراس الجماعية فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية بين العائلات والجيران، وتساهم في تعزيز قيم التضامن والتعاون بين أفراد المجتمع. كما أنه يعد حدثًا مشتركًا يعكس الوحدة والتكافل، مما ينتج عنه مجتمع متضامن ومتحد باعتبار جل الأزواج والزوجات تجمع بينهم صلات قرابة عائلية من الأجداد مما يفرض على الأزواج الجدد نوعا من المسؤولية في الحفاظ على تماسك العائلة، واقتصاديا تتمثل فوائد العرس الجماعي في تقليل التكاليف المترتبة على تنظيم العرس التقليدي. حيث يتم تقسيم التكاليف بين جميع الأسر المشاركة في الحدث، مما يجعل الزواج أكثر يسرا للكثير من الشباب في المناطق التي قد تعاني من قلة الموارد المالية.
![]() |
الباحث يوسف وفقير |
إرسال تعليق