رأس السنة الأمازيغية وحضوة "تساروت ن لخزين" لدى أيت عطا صاغرو
بقلم: يدير شكري مهتم بالتراث الأمازيغي
يحتفل الأمازيغ كل عام بـ"إيض ن يناير" أو رأس السنة الأمازيغية، احتفاءً بالأرض وخيراتها، وتأكيدًا على ارتباط الإنسان الأمازيغي بأرضه. هذه المناسبة تحمل رمزية ثقافية لدى الامازيغ متجذرة في عمق التاريخ، ويُرجع الباحثون جذورها إلى عهد انتصار الملك الفرعوني "شيشناق" على الفراعنة،
قبائل أيت عطا في صاغرو وسفوحها، كغيرها من الأمازيغ، ورثت هذا التقليد عن الأجداد، حيث يُطلقون على هذه المناسبة اسم "إيغف ن أوسكاس"، التي تعني حرفيًا "رأس السنة الامازيغية". كما اشتهرت باسم "سبع خضار"، إشارة إلى طبق الكسكس التقليدي الذي يتم تحضيره في هذه المناسبة باستخدام سبع خضروات مما تجود به الأرض. وظل هذا الاسم الاخير الاكتر انتشاروتتميز هذه العادة لدى امازيغ قبيلة ايت عطا صاغرو اضافة الى ما يصاحبها من دعوات كبار السن للعام الجديد بالبركة وازدهار حياتهم اليومية والزراعية بشكل اساسا في هذه المناسبة، تتفرد قبائل أيت عطا بتقاليد تحمل بعدًا رمزيًا واجتماعيًا عميقًا. من أبرزها منح حضوة خاصة للفرد المحظوظ الذي يجد نواة التمر (إيغس) المدفونة وسط طبق الكسكس الاحتفالي. لكن ليس كلهم طبعا بل المحظوظين منهم هذا الشخص يُكرَّم بمنحه مفتاح "تساروت ن لخزين"، وهو مستودع المواد الغذائية للأسرة.
تقليديًا،
كانت مسؤولية إدارة هذا المخزن العائلي تُسند غالبا إلى الجد أو الجدة، نظرًا لمكانتهما الاجتماعية داخل الاسرة الامازيغية العطاوية وحكمتهما التي اكتسباها من سنوات طويلة من الخبرة. تُعتبر هذه المسؤولية رمزًا للثقة والاحترام، حيث يقوم الجد أو الجدة بتنظيم استهلاك الموارد الأساسية بعقلانية الموجودة في الغرفة الخاصة (كالطحين، السكر، الزيت، التمر، وغيرها) اي المواد الضرورية الاساسية التي تشكل روح وجود الاسرة ومخزونها الغدائي، لتفادي الأزمات التي قد تطرأ مثل الجفاف أو المجاعات. وتكون الجدة أو الجد هو حامل مفتاح المستودع(تساروت ن لخزين), وأحدهما غالبا من يحمل معه المفتاح ويعلق في ملابسه أو يوضع في حقيبته الخاصة،ولا يعطى لأحد من أفراد الأسرة ،حيث هو أوهي من يتولى مهمة فتح المستودع وإغلاقه ،وأي فرد يحتاج مادة غذائية أساسية يستشير الجد أو الجدة (حامل المفتاح),فلا يستجاب للطلب إلا بعد معرفة مدى واقعية الطلب ،(حاجة الزوجة للطحين ومواد أخرى لإعداد الخبر مثلا) ،أو وصول ضيف جديد.
طقوس الكبار والصغار
كانت الأسرة الأمازيغية في صاغرو تقدّر حامل المفتاح احترامًا كبيرًا، إذ يُعتبر مصدر الحكمة والمسؤولية. الكبار والصغار كانوا يطلبون المواد الغذائية منه بكل احترام، باستخدام عبارات تقديرية مثل:
"نرا كان أورن ألالة فاطمة" (نريد بعض الطحين يا سيدتي فاطمة).
"كي كان تيني أماحلو" (أعطيني بعض التمر، جدتي).
هذا الطقس كان يعزز الروابط الأسرية ويُنمّي الشعور بالمسؤولية والاحترام بين أفراد الأسرة.
مع مرور الوقت، بدأت بعض الأسر تُفوِّض مسؤولية مفتاح "لخزين" إلى زوجة الابن أو أحد أفراد الأسرة الذين يحظون بثقة الجد أو الجدة. ويمنع الاطفال من الولوج الى المخزون مخاف قيامهم بإفساد المواد الغدائية او استهلاكها بشكل المفرط او خشية تسرب بعض حيوانتهم الالفة الى المخزون نتجة ترك باب المخزن مفتوح عن غير قصد أو به ورغم ذلك، ظل التقليد الأساسي قائمًا، حيث يتم الحفاظ على احترام نظام المخزن وحماية موارده من الإسراف أو التلف.
كان أيت عطا الأمازيغ يفعلون هذا،نتيجة غلاء هذا المواد ونظرة بعضها ،وبعد الأسواق التي يترددون عليها في ما مضى.
فالكل داخل الأسرة العطاوية قديما،سواء في مخيماتهم في صاغرو أو في مداشرهم خلال بداية استقرارهم في الواحات،يقدرون الجدة والجد ويسعون دائما إلى التقرب منهما ،وكسب ثقتهما،فتجد الجميع يعظم مكانة الجدة ،فتجد زوجات الأبناء يرددن (نرا كان أورن أ لالة فاطمة,تلهو،تودة،عدجو،دهو،بزة...) ، أي "نريد بعض الطحين يا سيدتي فلانة .." وترى الأحفاد الصغار يتوسلونها(ه) التمر "كي كان تيني أماحلو/باحلو),"إعطيني بعض التمر جدتي/جدتي),وبكل احترام وتقدير يفعل كذلك الأبناء.
دلالات ثقافية واجتماعية
مناسبة "إيغف ن أوسكاس" ليست مجرد احتفال، بل درس ثقافي وأخلاقي عميق يُعلّم الأجيال الجديدة أهمية المسؤولية والعدالة. فكما اعتلى الملك الأمازيغي شيشناق عرش مصر وحاز على مفاتيح خزائنها، يتم تتويج فرد من الأسرة في هذه المناسبة بمفاتيح خزائنها، في محاكاة رمزية عريقة.
هذا التقليد يُبرز قيم التضامن، الحكمة، والتدبير التي تُعد أساسيات المجتمع الأمازيغي، مؤكدًا أن القيادة الحقيقية تأتي من احترام الأدوار المجتمعية، والعمل الجماعي، والإيمان بالحظ والإرادة الإلهية.
إرسال تعليق